بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
ثورة الدموع
حول حياة الامام علي بن الحسين عليهما السلام
ثورةُ الدُّمُوع
كُنْتُ جَالِساً لِوحدي أَتأَمّلُ في أَحْداثِ التأريخِ.. فَإِذا بالتأريخِ يَفْتَحُ أَمامِي سَتائِرَهُ.. سِتارَةً بعدَ أُخرى.. حَتّى وَجَدْتُ نَفْسِي أَدْخُلُ بِنايَةً تَخْتَلِفُ فِي طرازِها عَنْ بِناياتِ هذا العَصْرِ.. فَوَقَفْتُ مَذْهُولاً لِما أُشاهدُهُ أَمامِي.. رِجالٌ يَرْتَدُونَ الزيَّ الاِسلامِيَّ.. وَتَتَعالى مِنْ أَفْواهِهِمْ قَهْقَهاتُ ضِحْكٍ عاليةٌ.. وتُدارُ بَينَهُمْ كؤوسُ الخَمْرِ.. وتَصْخَبُ المُوسِيقى فَتَتَمايَلُ الراقصاتُ على أَنْغامِها بِحَركاتٍ مُغْرِيَةٍ للغايَةِ.. </ [فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
وَرَغْمَ ارْتِفاعِ أصْواتِ الضَحِكِ.. وَصَخَبِ المُوسِيقى والغِناءِ.. إِلاّ إنّي سَمِعْتُ صَوتَ بُكاءٍ ونَحِيبٍ يَنْسابُ إلى مَسامِعي.. فَخَرَجْتُ لأتَعَرَّفَ عَلى ذلِكَ الشخْصِ.. وَأَقِفُ عَلى سَبَبِ بُكائِهِ.. وَإِذا بِي أُشاهِدُ شَيْخاً يَسيِرُ على جانبٍ من الطريق بِالقُربْ منّي وهُوَ يُتَمْتِمُ قائِلاً : ـ تَبَّاً لَكُمْ أَيُّها الاَُمَوِيُّونَ وَسُحْقاً.. أَيُّ عَصْرٍ هذا
الّذِي تَسُودُهُ الانْحِرافاتُ فِي الدِينِ وَالاََخلاقِ وَالآدابِ.. وَيَسُوسُهُ حُكّامٌ ظالِمونَ طُغاةٌ لا يَفْقَهُونَ مِنَ الدِينِ إِلاّ اسْمَهُ.. وَلاَ يَعْرِفُونَ مِنَ الحَقِّ إلاّ رَسْمَهُ.. حَتّى وَجَدَ الاِنسانُ مِنّا نَفْسَهُ يَعِيشُ فِي خَضْمِ مَعارِكٍ طاحِنَةٍ تَخُوضُها الحَركاتُ والتيّاراتُ السياسيةُ والاجتماعِيةُ الَتي تَتَّخِذُ مِنَ الاِسلامِ سِتاراً لها.. وهِيَ أَقلُّ ما تَتَّصِفُ بهِ اللؤُمُ والدَهاءُ.. الشخْصِيةُ الاِنسانيةُ فِي عَالَمِنا أَصَبَحَتْ تَفْتَقِدُ إِلى صَفائِها ونَقائِها وَطُهْرِها.. </ [فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
فَقَدْ كَثُرَ الرِياءُ.. وتَفَشَّى النِفاقُ.. وأَصْبَحَتِ المسؤوليةُ ثَقِيلَةً عَلى عاتِقِ المُؤْمِنِينَ الرساليِّينَ..
فَتَقَدَّمتُ مِنْه قائِلاً : ـ مَعذِرَةً يا شَيخُ..! أَنا لاَ أَفْهَمُ مَا يَحْصُلُ أَمامِي..!! إِنّي شَاهَدْتُ بَعْضَ الرِجَالِ الّذِينَ يَظْهَرُونَ بِالزيِّ الاِِسلامِيِّ وَلكِنْ لِلاَْسَفِ الشدِيدِ تَصرُّفاتُهُمْ تَدُلُّ على أَنَّهُمْ يَعِيشُونَ فِي زَمنِ الجاهِلِيةِ..
صَمَتَ بُرهةً يَتَأَمَّلَنِي.. ثُمّ أَرْدُفَ قائِلاً : ـ مَعْذِرَةً يابُنيَّ..! يَبْدُو أَنَّكَ مِنْ زَمَنٍ غَيرَ زَمَنِنَا.. ؟!!
فَقلْتُ لَهُ مُبتَسِماً : ـ لا بأسَ عَلَيْكَ يا شَيخُ إِذا كُنْتَ لا تُطيقُ الاِِجابَةَ عَلى سُؤالِي.. فَهَلْ يُمكِنُ لَكَ اَنْ تُعرِّفَنِي بِذلِكَ الرَجُلُ الَّذِي يَملاَُ المَدينَةَ مِنْ حَولِنا بُكاءً وَنَحِيباً.. ؟ [فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
فَتَنَهَّدَ قَائِلاً : ـ ذلِكَ الرجُلُ يا بُنيَّ هُوَ الاِمامُ عليٌّ بنُ الحسينِ السَجّادِ عليه السلام . وَهُوَ مِنْذُ واقِعَةِ الطَفِّ عَلى هذِهِ الحالَةِ..
فَقُلْتُ مُنْدَهِشاً : ـ وهَلْ سَيَقْضِي الاِمامُ السَجّادُ عليه السلام حَياتَهُ بالبُكاءِ عَلى مُصِيبةِ وَالِدِهِ الاِمامِ الحُسينِ عليه السلام .. ؟! إِذَنْ ما هُوَ دَورُه إِزاءَ هذِهِ الاََحْداثِ كَوْنَهُ إِماماً مَعْصوماً تَقَعُ عَلَيهِ مَسؤُولِيةُ الحِفاظِ عَلى رسالةِ جَدِّهِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم .
يَجِبُ أَنْ لاَ تَشُكَّ أَبداً في دَورِ الاِِمامِ السَجّادِ عليه السلام .. لِأَنَّ مَا جَاءَ فِي الرِسالةِ الُمحمّدِيّةِ الاَصِيلَةِ لاَ يُمْكِنُ اَنْ تَتَجَسَّمَ كامِلُ أَفعالِهِ فِي شَخْصِ أَيِّ إِنسانٍ مَهْما يَكُنْ ، سِوى فَي أَهلِ بَيتِ النُبُوَّةِ عليهم السلام فَهُمْ مَعْدِنُ الرِسالَةِ وَمَهْبِطُ الوَحيِّ ومُخْتَلَفِ الملائِكَةِ.. بِهِمْ فَتَحَ اللهُ.. وبِهِمْ يَخْتِمُ.. وَبُكاءُ الاِمامِ السِجّادِ عليه السلام يا وَلَدِي لَيسَ لِما حَصَلَ لِوالِدِهِ الاِِمامِ الحُسينِ عليه السلام وَلاَهْل بَيْتِهِ مِنْ مَصائِبَ وفَواجِعَ فِي يومِ العاشرِ مِنْ مُحَرَّمِ.. وَإِنّما هُوَ يَبكِي لِيُذَكِّرَ الناسَ بِأَهمِّيّةِ الاََسْبابِ التِي دَعَتِ الاِمامَ الحُسينَ عليه السلام إلى تِلْكَ التَضْحِيَةِ الكَبِيَرةِ التِي نَتَجَ عَنْها اسْتِشْهادُهُ.. واسْتِشْهادُ أَوْلادِهِ وإِخْوَتِهِ وأَبناءِ إِخْوَتِهِ وأَصْحابِهِ وسَبْيُ نِسائِهِ ، فِي ثَورةٍ أرادَ بِها إِيقاظَ الضَمِيرِ الاِِنسانيِّ.. وَتَوعيةَ العَقْلِ المُفَكِّرِ.. وَمَا بُكاءُ الاِمامِ السَجّادِ عليه السلام إِلاّ ثَورةٌ مُكَمِّلَةٌ لِثَورَةِ أَبِيهِ الاِمامِ الحُسَينِ عليه السلام يُرِيدُ بِها إِيقاظَ عَواطِفِ النَاسِ وضَمائِرِهِمْ.. وتَذكيرَهُمْ بما قَدَّمَهُ وَالِدُه الاِِمامُ الحسينُ عليه السلام بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ الاَُمويونَ يَجُرُّونَ النَاسَ إِلى مَجالِسِ اللهْوِ
والرَقْصِ والغِناءِ والخَمْرِ.. والناسُ يَنْساقُونَ مُتَناسِينَ بِذلِكِ ما ضَحّى بِهِ الاِمامُ الحُسينُ عليه السلام مِنْ أَجْلِهِمْ.. لِهذا وَجَدَ الاِمامُ السجّادُ عليه السلام أَنَّ مِنْ واجِبِهِ إِصلاحَ ما أَفْسَدَهُ الاَُمَويُونَ فِي رِسالةِ جَدِّهِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وأَرادَ بِذلِكَ إِكمالَ الطَرِيقِ الّذِي رَسَمَهُ وَالِدُهُ سَيّدُ الشُهداءِ عليه السلام .. فَهْوَ حِينَ يَبكِي عَلى المصائبِ العَظِيمَةِ التِي حَدَثَتْ فِي يَومِ العاشِرِ مِنْ مُحَرَّمِ.. يُريدُ بِذلِكَ تَذكِيرَ النَاسِ بِهذِهِ الفاجِعَةِ المُؤْلِمَةِ التِي حَفِظَ [فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل] مِنْ خِلالَها وَالِدُهُ الاِمامُ الحُسينُ عليه السلام المبادئَ الاِِسلاميّةَ الاَصِيلَةَ.. وَعَلَّمَهُمْ كَيفِيَةَ الدِفاعِ عَنْها والتَضْحِيَةَ مِنْ أَجْلِها.. لاََِنَّ فِيها كَرامَتَهُمْ.. وَشَرَفَهُمْ.. وآخِرَتَهُمْ.. وَلِذلِكَ فَالاَِمامُ السَجّادُ عليه السلام حَتّى عِنْدَما يَخْرُجُ إلى السُوقِ.. فَيشاهِدُ قَصّاباً يَذْبَحُ خَروفاً يَسْأَلَهُ عَمّا إذا كانَ قَدْ سَقى الخَروفَ ماءً قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهُ أَمْ لا.. فَيُجِيبَهُ القَصّابُ بِأَنَّهُ لا يَذْبَحُ خَروفاً حَتّى يُسْقِيهِ ماءً.. هُنا يُحَدِّقُ الاِِمامُ السجّادُ عليه السلام فِي وُجُوهِ الجُمُوعِ مِنَ النَاسِ.. لِيَقُولَ لَهُمْ : انظروا : الكبشُ لا يُذْبَحُ حَتّى يُسْقى
الماءَ.. وَأَبي الحُسينُ عليه السلام ذُبِحَ عَطْشاناً دُونَ اَنْ يُسقى مِنَ الماءِ..) يُرِيدُ بِذلِكَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلناسِ تِلْكَ الظُروفَ القاسِيَةَ التِي اسْتُشْهِدَ فِيها الاِمامُ الحسينُ عليه السلام ومَنْ مَعَهُ مِنْ أَهلِ بَيتِهِ وأَصحابِهِ . وهُناكَ طَرِيقَةٌ أُخرى يُحاوِلُ مِنْ خِلالِها الاِِمامُ السجّادُ عليه السلام أَنْ يُبَيِّنَ لِلناسِ حَقِيقَةَ ما يَجْرِي حَولَهُمْ.. فَيقُولُ عليه السلام : ـ « إذا رَأيْتُمُ الرَجُلَ قَدْ حَسُنَ سَمْتُهُ وتمادى في مَنطِقِهِ وتَخاضَعَ فِي حَركاتِهِ ، فَرُوَيْداً لا يَغُرَّنَّكُمْ ، فَما أَكثرَ مَنْ يُعْجِزُهُ تَناوُلُ الدُنيا ، ورُكوبُ الحَرامِ مِنْها لِضَعْفِ نِيّتِهِ ومَهانَتِهِ وجُبْنِ قَلْبِهِ ، فَنَصَبَ الدينَ فَخّاً لها.. فَهُوَ لاَ يَزالُ يَخْتَلُ بِظاهِرِهِ فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ حَرامٍ اقْتَحَمَهُ.. وَإِذا وَجَدتُمُوهُ يَعِفُّ عَنِ المالِ الحرامِ فَرُوَيْداً لا يَغُرَّنَّكُمْ.. فإنّ شَهَواتِ الخلقِ مُختلِفةٌ فما أكْثرَ مَنْ يتأبّى عنِ الحَرامِ وإنْ كَثُرَ.. ويحْمِلُ على نفسِهِ شَوْهاءَ قَبيحةٍ فَيأتي فِيها مُحَرَّماً.. ولا يَغُرَّنَّكُمْ الرَجُلُ حتّى تَنْظُروا عُقْدَةَ عَقْلِهِ.. فَما أَكْثَرَ مَنْ تَرَكَ ذلِكَ أَجْمَعَ ثُمَّ لا يَرجِعُ إِلى عَقلٍ مَتِينٍ فَيكونَ ما يُفسِدُهُ بِجَهْلِهِ أكثَر مِمّا يُصْلِحُهُ بِعَقْلِهِ.. فَإِذا وَجَدْتُمْ عَقْلَهُ مَتِيناً
اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
ثورة الدموع
حول حياة الامام علي بن الحسين عليهما السلام
ثورةُ الدُّمُوع
كُنْتُ جَالِساً لِوحدي أَتأَمّلُ في أَحْداثِ التأريخِ.. فَإِذا بالتأريخِ يَفْتَحُ أَمامِي سَتائِرَهُ.. سِتارَةً بعدَ أُخرى.. حَتّى وَجَدْتُ نَفْسِي أَدْخُلُ بِنايَةً تَخْتَلِفُ فِي طرازِها عَنْ بِناياتِ هذا العَصْرِ.. فَوَقَفْتُ مَذْهُولاً لِما أُشاهدُهُ أَمامِي.. رِجالٌ يَرْتَدُونَ الزيَّ الاِسلامِيَّ.. وَتَتَعالى مِنْ أَفْواهِهِمْ قَهْقَهاتُ ضِحْكٍ عاليةٌ.. وتُدارُ بَينَهُمْ كؤوسُ الخَمْرِ.. وتَصْخَبُ المُوسِيقى فَتَتَمايَلُ الراقصاتُ على أَنْغامِها بِحَركاتٍ مُغْرِيَةٍ للغايَةِ.. </ [فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
وَرَغْمَ ارْتِفاعِ أصْواتِ الضَحِكِ.. وَصَخَبِ المُوسِيقى والغِناءِ.. إِلاّ إنّي سَمِعْتُ صَوتَ بُكاءٍ ونَحِيبٍ يَنْسابُ إلى مَسامِعي.. فَخَرَجْتُ لأتَعَرَّفَ عَلى ذلِكَ الشخْصِ.. وَأَقِفُ عَلى سَبَبِ بُكائِهِ.. وَإِذا بِي أُشاهِدُ شَيْخاً يَسيِرُ على جانبٍ من الطريق بِالقُربْ منّي وهُوَ يُتَمْتِمُ قائِلاً : ـ تَبَّاً لَكُمْ أَيُّها الاَُمَوِيُّونَ وَسُحْقاً.. أَيُّ عَصْرٍ هذا
الّذِي تَسُودُهُ الانْحِرافاتُ فِي الدِينِ وَالاََخلاقِ وَالآدابِ.. وَيَسُوسُهُ حُكّامٌ ظالِمونَ طُغاةٌ لا يَفْقَهُونَ مِنَ الدِينِ إِلاّ اسْمَهُ.. وَلاَ يَعْرِفُونَ مِنَ الحَقِّ إلاّ رَسْمَهُ.. حَتّى وَجَدَ الاِنسانُ مِنّا نَفْسَهُ يَعِيشُ فِي خَضْمِ مَعارِكٍ طاحِنَةٍ تَخُوضُها الحَركاتُ والتيّاراتُ السياسيةُ والاجتماعِيةُ الَتي تَتَّخِذُ مِنَ الاِسلامِ سِتاراً لها.. وهِيَ أَقلُّ ما تَتَّصِفُ بهِ اللؤُمُ والدَهاءُ.. الشخْصِيةُ الاِنسانيةُ فِي عَالَمِنا أَصَبَحَتْ تَفْتَقِدُ إِلى صَفائِها ونَقائِها وَطُهْرِها.. </ [فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
فَقَدْ كَثُرَ الرِياءُ.. وتَفَشَّى النِفاقُ.. وأَصْبَحَتِ المسؤوليةُ ثَقِيلَةً عَلى عاتِقِ المُؤْمِنِينَ الرساليِّينَ..
فَتَقَدَّمتُ مِنْه قائِلاً : ـ مَعذِرَةً يا شَيخُ..! أَنا لاَ أَفْهَمُ مَا يَحْصُلُ أَمامِي..!! إِنّي شَاهَدْتُ بَعْضَ الرِجَالِ الّذِينَ يَظْهَرُونَ بِالزيِّ الاِِسلامِيِّ وَلكِنْ لِلاَْسَفِ الشدِيدِ تَصرُّفاتُهُمْ تَدُلُّ على أَنَّهُمْ يَعِيشُونَ فِي زَمنِ الجاهِلِيةِ..
صَمَتَ بُرهةً يَتَأَمَّلَنِي.. ثُمّ أَرْدُفَ قائِلاً : ـ مَعْذِرَةً يابُنيَّ..! يَبْدُو أَنَّكَ مِنْ زَمَنٍ غَيرَ زَمَنِنَا.. ؟!!
فَقلْتُ لَهُ مُبتَسِماً : ـ لا بأسَ عَلَيْكَ يا شَيخُ إِذا كُنْتَ لا تُطيقُ الاِِجابَةَ عَلى سُؤالِي.. فَهَلْ يُمكِنُ لَكَ اَنْ تُعرِّفَنِي بِذلِكَ الرَجُلُ الَّذِي يَملاَُ المَدينَةَ مِنْ حَولِنا بُكاءً وَنَحِيباً.. ؟ [فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
فَتَنَهَّدَ قَائِلاً : ـ ذلِكَ الرجُلُ يا بُنيَّ هُوَ الاِمامُ عليٌّ بنُ الحسينِ السَجّادِ عليه السلام . وَهُوَ مِنْذُ واقِعَةِ الطَفِّ عَلى هذِهِ الحالَةِ..
فَقُلْتُ مُنْدَهِشاً : ـ وهَلْ سَيَقْضِي الاِمامُ السَجّادُ عليه السلام حَياتَهُ بالبُكاءِ عَلى مُصِيبةِ وَالِدِهِ الاِمامِ الحُسينِ عليه السلام .. ؟! إِذَنْ ما هُوَ دَورُه إِزاءَ هذِهِ الاََحْداثِ كَوْنَهُ إِماماً مَعْصوماً تَقَعُ عَلَيهِ مَسؤُولِيةُ الحِفاظِ عَلى رسالةِ جَدِّهِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم .
يَجِبُ أَنْ لاَ تَشُكَّ أَبداً في دَورِ الاِِمامِ السَجّادِ عليه السلام .. لِأَنَّ مَا جَاءَ فِي الرِسالةِ الُمحمّدِيّةِ الاَصِيلَةِ لاَ يُمْكِنُ اَنْ تَتَجَسَّمَ كامِلُ أَفعالِهِ فِي شَخْصِ أَيِّ إِنسانٍ مَهْما يَكُنْ ، سِوى فَي أَهلِ بَيتِ النُبُوَّةِ عليهم السلام فَهُمْ مَعْدِنُ الرِسالَةِ وَمَهْبِطُ الوَحيِّ ومُخْتَلَفِ الملائِكَةِ.. بِهِمْ فَتَحَ اللهُ.. وبِهِمْ يَخْتِمُ.. وَبُكاءُ الاِمامِ السِجّادِ عليه السلام يا وَلَدِي لَيسَ لِما حَصَلَ لِوالِدِهِ الاِِمامِ الحُسينِ عليه السلام وَلاَهْل بَيْتِهِ مِنْ مَصائِبَ وفَواجِعَ فِي يومِ العاشرِ مِنْ مُحَرَّمِ.. وَإِنّما هُوَ يَبكِي لِيُذَكِّرَ الناسَ بِأَهمِّيّةِ الاََسْبابِ التِي دَعَتِ الاِمامَ الحُسينَ عليه السلام إلى تِلْكَ التَضْحِيَةِ الكَبِيَرةِ التِي نَتَجَ عَنْها اسْتِشْهادُهُ.. واسْتِشْهادُ أَوْلادِهِ وإِخْوَتِهِ وأَبناءِ إِخْوَتِهِ وأَصْحابِهِ وسَبْيُ نِسائِهِ ، فِي ثَورةٍ أرادَ بِها إِيقاظَ الضَمِيرِ الاِِنسانيِّ.. وَتَوعيةَ العَقْلِ المُفَكِّرِ.. وَمَا بُكاءُ الاِمامِ السَجّادِ عليه السلام إِلاّ ثَورةٌ مُكَمِّلَةٌ لِثَورَةِ أَبِيهِ الاِمامِ الحُسَينِ عليه السلام يُرِيدُ بِها إِيقاظَ عَواطِفِ النَاسِ وضَمائِرِهِمْ.. وتَذكيرَهُمْ بما قَدَّمَهُ وَالِدُه الاِِمامُ الحسينُ عليه السلام بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ الاَُمويونَ يَجُرُّونَ النَاسَ إِلى مَجالِسِ اللهْوِ
والرَقْصِ والغِناءِ والخَمْرِ.. والناسُ يَنْساقُونَ مُتَناسِينَ بِذلِكِ ما ضَحّى بِهِ الاِمامُ الحُسينُ عليه السلام مِنْ أَجْلِهِمْ.. لِهذا وَجَدَ الاِمامُ السجّادُ عليه السلام أَنَّ مِنْ واجِبِهِ إِصلاحَ ما أَفْسَدَهُ الاَُمَويُونَ فِي رِسالةِ جَدِّهِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وأَرادَ بِذلِكَ إِكمالَ الطَرِيقِ الّذِي رَسَمَهُ وَالِدُهُ سَيّدُ الشُهداءِ عليه السلام .. فَهْوَ حِينَ يَبكِي عَلى المصائبِ العَظِيمَةِ التِي حَدَثَتْ فِي يَومِ العاشِرِ مِنْ مُحَرَّمِ.. يُريدُ بِذلِكَ تَذكِيرَ النَاسِ بِهذِهِ الفاجِعَةِ المُؤْلِمَةِ التِي حَفِظَ [فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل] مِنْ خِلالَها وَالِدُهُ الاِمامُ الحُسينُ عليه السلام المبادئَ الاِِسلاميّةَ الاَصِيلَةَ.. وَعَلَّمَهُمْ كَيفِيَةَ الدِفاعِ عَنْها والتَضْحِيَةَ مِنْ أَجْلِها.. لاََِنَّ فِيها كَرامَتَهُمْ.. وَشَرَفَهُمْ.. وآخِرَتَهُمْ.. وَلِذلِكَ فَالاَِمامُ السَجّادُ عليه السلام حَتّى عِنْدَما يَخْرُجُ إلى السُوقِ.. فَيشاهِدُ قَصّاباً يَذْبَحُ خَروفاً يَسْأَلَهُ عَمّا إذا كانَ قَدْ سَقى الخَروفَ ماءً قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهُ أَمْ لا.. فَيُجِيبَهُ القَصّابُ بِأَنَّهُ لا يَذْبَحُ خَروفاً حَتّى يُسْقِيهِ ماءً.. هُنا يُحَدِّقُ الاِِمامُ السجّادُ عليه السلام فِي وُجُوهِ الجُمُوعِ مِنَ النَاسِ.. لِيَقُولَ لَهُمْ : انظروا : الكبشُ لا يُذْبَحُ حَتّى يُسْقى
الماءَ.. وَأَبي الحُسينُ عليه السلام ذُبِحَ عَطْشاناً دُونَ اَنْ يُسقى مِنَ الماءِ..) يُرِيدُ بِذلِكَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلناسِ تِلْكَ الظُروفَ القاسِيَةَ التِي اسْتُشْهِدَ فِيها الاِمامُ الحسينُ عليه السلام ومَنْ مَعَهُ مِنْ أَهلِ بَيتِهِ وأَصحابِهِ . وهُناكَ طَرِيقَةٌ أُخرى يُحاوِلُ مِنْ خِلالِها الاِِمامُ السجّادُ عليه السلام أَنْ يُبَيِّنَ لِلناسِ حَقِيقَةَ ما يَجْرِي حَولَهُمْ.. فَيقُولُ عليه السلام : ـ « إذا رَأيْتُمُ الرَجُلَ قَدْ حَسُنَ سَمْتُهُ وتمادى في مَنطِقِهِ وتَخاضَعَ فِي حَركاتِهِ ، فَرُوَيْداً لا يَغُرَّنَّكُمْ ، فَما أَكثرَ مَنْ يُعْجِزُهُ تَناوُلُ الدُنيا ، ورُكوبُ الحَرامِ مِنْها لِضَعْفِ نِيّتِهِ ومَهانَتِهِ وجُبْنِ قَلْبِهِ ، فَنَصَبَ الدينَ فَخّاً لها.. فَهُوَ لاَ يَزالُ يَخْتَلُ بِظاهِرِهِ فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ حَرامٍ اقْتَحَمَهُ.. وَإِذا وَجَدتُمُوهُ يَعِفُّ عَنِ المالِ الحرامِ فَرُوَيْداً لا يَغُرَّنَّكُمْ.. فإنّ شَهَواتِ الخلقِ مُختلِفةٌ فما أكْثرَ مَنْ يتأبّى عنِ الحَرامِ وإنْ كَثُرَ.. ويحْمِلُ على نفسِهِ شَوْهاءَ قَبيحةٍ فَيأتي فِيها مُحَرَّماً.. ولا يَغُرَّنَّكُمْ الرَجُلُ حتّى تَنْظُروا عُقْدَةَ عَقْلِهِ.. فَما أَكْثَرَ مَنْ تَرَكَ ذلِكَ أَجْمَعَ ثُمَّ لا يَرجِعُ إِلى عَقلٍ مَتِينٍ فَيكونَ ما يُفسِدُهُ بِجَهْلِهِ أكثَر مِمّا يُصْلِحُهُ بِعَقْلِهِ.. فَإِذا وَجَدْتُمْ عَقْلَهُ مَتِيناً